خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 9 ذو الحجة 1443هـ، الموافق 8 يوليو 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 8 يوليو 2022م بصيغة word بعنوان : الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 8 يوليو 2022م بصيغة pdf بعنوان : الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 8 يوليو 2022م بعنوان : الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع .
أولًا: خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟
ثانيًا: دروسٌ للأمةِ مِن خطبةِ الوداعِ .
ثالثًا: تعظيمُ شأنِ الدماءِ وجرمُ إراقتِهَا بغيرِ حقٍّ.
رابعًا وأخيرًا : وقفةٌ مع يومِ عرفةَ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 8 يوليو 2022م بعنوان : الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: الدروسُ المستفادةُ مِن خطبةِ الوداعِ . محمد حرز بتاريخ: 9 من ذي الحجة 1443هــ – 8 يوليو 2022م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾المائدة:3 ،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه أولٌ بلا ابتداءٍ وآخرٌ بلا انتهاءٍ الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ عن عمرَ بنِ الخطابِ أنَّ رَجُلًا، مِنَ اليَهُودِ قالَ له: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا. قالَ: أيُّ آيَةٍ؟ قالَ: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] قالَ عُمَرُ: قدْ عَرَفْنَا ذلكَ اليَومَ، والمَكانَ الذي نَزَلَتْ فيه علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو قَائِمٌ بعَرَفَةَ يَومَ جُمُعَةٍ((متفق عليه، فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ خيرُ مَن صلَّى وصامَ وتابَ وأنابَ ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الذين حجُّوا واعتمرُوا فكان حجهُم مقبولًا وسعيهُم مشكورًا وذنبهُم مغفورًا وسلمْ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (أل عمران :102)
عبادَ اللهِ (الدروسُ المستفادةُ مِن خطبةِ الوداعِ ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟
ثانيًا: دروسٌ للأمةِ مِن خطبةِ الوداعِ .
ثالثًا: تعظيمُ شأنِ الدماءِ وجرمُ إراقتِهَا بغيرِ حقٍّ.
رابعًا وأخيرًا : وقفةٌ مع يومِ عرفةَ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولاً: خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ ؟
أيُّها السادةُ: خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ خرجَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في أكثر من مائةِ ألفِ حاجٍ وحاجةٍ وهو يقولُ:((خذُوا عنِّي مناسكَكُم))، وهو ينادِي في الناسِ: أيُّها الناسُ اسمعُوا وعوا لعلِّي لا ألقاكُم بعدَ عامِي هذا وهو ينادِي في الناسِ السكينةَ السكينةَ حجاجَ بيتِ اللهِ الحرامِ، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ خطبةٌ عصماءٌ جامعةٌ نافعةٌ مانعةٌ وجلتْ منها القلوبُ وذرفتْ منها العيونُ بالدموع.ِخطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ عطرٌ يفوحُ شذاهُ وعبيرٌ يسمُو في علاه، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ خطبةٌ حوتْ كلَّ تعاليمِ الإسلامِ ومقاصدهِ ومبادئهِ، خطبةٌ غيرتْ مجرى التاريخِ، خطبةٌ ودّعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أصحابَهُ بل إنْ شئتَ فقلْ: ودّع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم الأمةَ الإسلاميةَ جمعاء، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ هي البيانُ الختاميُّ للإسلامِ بنصِّ القرآنِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾المائدة:3,خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ خطبةٌ بلّغَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم فيها الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ فكشفَ اللهُ به الغمةَ وهو يسألُهُم: ألَا هل بلغت؟ فيقولونَ جميعًا: اللهم نعم فيقولُ: اللهم فاشهدْ، خطبةٌ ماتَ بعدَهَا إمامُ الأنبياءِ وإمامُ الأتقياءِ وإمامُ الأصفياءِ وصعدتْ أطهرُ روحٍ عرفَهَا التاريخُ إلى ربِّها، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ أولُ ميثاقٍ عالميٍّ للمحافظةِ على حقوقِ الإنسانِ وكيفَ لا؟ والحقوقُ مصانةٌ والأعراضُ مصانةٌ والدماءُ مصانةٌ، هكذا أعلنَهَا نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم: أتَدْرُونَ أيُّ يَومٍ هذا؟، قُلْنَا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ يَومَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قالَ: أيُّ شَهْرٍ هذا؟، قُلْنَا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، فَقالَ أليسَ ذُو الحَجَّةِ؟، قُلْنَا: بَلَى، قالَ أيُّ بَلَدٍ هذا؟ قُلْنَا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَتْ بالبَلْدَةِ الحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قالَ: فإنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا،إلى يَومِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟قالوا: نَعَمْ، قالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ)(متفق عليه)أيُّها السادةُ: لقد أعلنَ الناطقُ الرسميُّ باسمِ الدولةِ الإسلاميةِ آنذاك أنَّ الإسلامَ هو الدينُ الرسميُّ للدولةِ وأعلنَ البراءةَ مِن المشركين ومِن أعمالِهِم ، ونشرَ الإعلانَ شفهيًا عن طريقِ الرجالِ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ )جِئْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبَرَاءَةٍ فكُنَّا نُنَادِي إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَوْ أَمَدُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِنَّ ( اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ،يقول أبو هريرة : فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي ) الترمذي.
اللهُ أكبرُ تُنادِي الأوطانُ وأنتَ تدعُوا فلا لبّيكَ إلَّا لك، ويُمسكُكُ الأهلُ وأنتَ تدعُوا فلا لبّيكَ إلَّا لك ، ويدعوكَ المالُ والولدُ إلي أنْ يظلَّ الإنسانُ خليفتَهُم وأنت تدعُو فلا لبّيكَ إلّا لك، سبحانَ مَن قدّسَ البيتَ وعظمَهُ ، سبحانَ مَن جعلَ مكةَ هي البلدُ الحرامُ ، سبحانَ مَن خصَّهَا دونَ بقاعِ الأرضِ بالتقديسِ والإعظامِ، سبحانَ مَن هدي خليلَهُ إليهَا بعدَ طولِ شوقٍ وهيامٍ، سبحانَ مَن فجَّرَ زمزمَ لإسماعيلَ إجلالًا لهُ وإكرامًا ، سبحانَ مَن جعلَ مكةَ مشرقًا للنورِ بعد أنْ كانتْ مصدرًا لكلِّ ظلمٍ وظلامٍ، سبحانَ مَن جعلَهَا أصلَ التوحيدِ بعدَ أنْ كانتْ مصدرًا لعبادةِ الأصنامِ، سبحانَ مَن اصطفَي رسولَهُ منها وجعلَهُ رسولًا لخيرِ دينٍ هو الإسلامُ، سبحانَ اللهِ وبحمدهِ سبحانَ اللهِ العظيم .
لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الزحَامِ مُلبيًّا *** لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الحجيجِ ساعيًا
لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ عبادِكَ داعيًا ** لبيك ربي وإن لم أكنْ بينَ الصفوف مصليا
لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم اكنْ بينَ الجموعِ لعفوِكَ طالبًا ** لبَّيكَ ربِّي فاغفرْ جميعَ ذنوبِي أدقهَا وأجلهَا
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيًا: دروسٌ للأمةِ مِن خطبةِ الوداعِ .
أيُّها السادةُ: خطبةُ الوداعِ هي البيانُ الختاميُّ للإسلامِ لذا ينبغِي أنْ تكونَ محفورةً في العقولِ والقلوبِ ودستورًا وبيانًا شافيًا للحقوقِ والواجباتِ وكيف لا؟ وكلُّهَا دروسٌ وعبرٌ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر :
أنَّ الناسَ سواسيةٌ كأسنانِ المشطِ، دونَ التفريقِ بينهُم على أيِّ أساسٍ؛ سواءٌ اللونُ، أم العِرْقُ، أم المكانةُ الاجتماعيةُ، فالكلُّ في ميزانِ الإسلامِ سواءٌ، لا تفرقةَ ولا تفاضُلَ بينهم إلّا بمعيارٍ واحدٍ، ألا وهو التقوى، قال ربُّنَا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13 فلقد أعلنَهَا بصراحةٍ في خطبةِ الوداعِ ياسادة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) رواه أحمد بإسناد صحيح
ومِن أعظمِ الدروسِ المستفادةِ مِن خطبةِ الوداعِ: أنَّ حقَّ المرأةِ محفوظٌ في الإسلامِ وكيف لا ؟ولقد أوصى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم الرجالَ بهنَّ خيرًا، ودعا إلى الإحسانِ إليهنَّ في المعاملةِ، وإعطائِهنَّ حقوقهنَّ كاملةً دونَ مَنٍّ، أو أذىً، والإنفاقِ عليهنّ، وكسوتِهِنّ، ومعاشرتِهِنّ بالمعروفِ، كما ثبتَ في الصحيحِ أنّ النبيَّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- قال: واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا)(متفق عليه)إنَّهَا وصيةٌ عظيمةٌ في يومٍ عظيمٍ مِن رسولٍ عظيمٍ، يوصِّي بهنَّ على الملأِ؛ لبيانِ قدرِهِنَّ ومكانتِهِنَّ، وللتأكيدِ على حقوقِهِنَّ، وليقررْ للأمةِ الإسلاميةِ مِن بعدهِ عظمَ هذه الأمانةِ وقدرَ هذه المسئوليةِ .قال المستشرقُ اندريه سرفيه في كتابهِ ( الإسلامُ ونفسيةُ المسلمين ) : )مَن أرادَ أنْ يتحققَ مِن عنايةِ محمدٍ بالمرأةِ فليقرأْ خطبتَهُ في مكةَ التي أوصَى فيها بالنساءِ)
ومِن أعظمِ الدروسِ المستفادةِ مِن خطبةِ الوداعِ: أنَّ الأعراضَ أمانةٌ والأعراضَ مصانةٌ وانتهاكهَا جرمٌ خطيرٌ وأعظمُ خيانة في الأعراضِ هي جريمةُ الزنا والعياذُ باللهِ، فالزنَا عارٌ يهدمُ البيوتَ الرفيعةَ، ويطأطئُ الرؤوسَ العاليةَ، ويشردُ الأسرَ الآمنةَ ،ويسودُ الوجوهَ النيرةَ،ويخرسُ الألسنةَ البليغةَ. يارب سلم، لذا كانتْ جريمةُ الزنَا مِن أعظمِ الجرائمِ، وأبشعِ الذنوبِ، ومِن أكبرِ الكبائرِ عندَ علامِ الغيوبِ، وستيرِ العيوبِ قال اللهُ فيها: ((وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)) [سورة الإسراء:32]
فالأعراضُ أمانةٌ: فلا تتحدثْ في أعراضِ الناسِ بالغيبةِ والنميمةِ؛ لأنَّ الغيبةَ والنميمةَ تعدُّ خيانةً والعياذُ باللهِ. بل لما وقعَ ماعزٌ في جريمةِ الزنَا وأقامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم الحدِّ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ فَسَكَتَ عَنْهُمَا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ فَقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَقَالَا نَحْن يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ فَقَالاَ يَا نبي اللَّهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ هل يَأْكُلُ مِنْ هَذَا فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(أكلاكم آنِفًا من لحم أَخِيكُمَا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍما مِنْ جيفَةِ حِمَارٍ يارب سلم وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغمِسُ فِيهَا)(متفق عليه) ولم يكنْ مِن هديهِ ياسادة إذا أخطأَ إنسانٌ أنْ يقولَ ما بالُ أقومٍ، إلَّا في الأعراضِ ياسادة فقال أين فلانٌ وفلانٌ ؟لماذا؟ لأنَّ الأعراضَ مصانةٌ في دنينِنَا، اللهُ أكبرُ كم لوثتْ أفواهُنَا بأكلِ لحومِ إخوانِنَا، اللهُ أكبرُ كم لوثتْ أسنانُنَا بتمزيقِ إخوانِنَا، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، فلا يحلُّ لعبدٍ أنْ ينالَ مِن عِرضِ أخيهِ، ولا أنْ يتّهمَ أحدَهُم بالفاحشةِ بحالٍ مِن الأحوالِ، لماذا لأنَّ الأعراضَ ليستْ مستباحةً في دنينِنَا ياسادة، للهِ درُّ القائل:
احْفَظْ لِسَانَك أَيُّهَا الْإِنْسَانُ *** لَا يَلْدَغَنَّكَ إنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قتيل لِسَانِهِ *** كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ
ومِن أعظمِ الدروسِ المستفادةِ مِن خطبةِ الوداعِ: أنَّ الأخوةَ نعمةٌ ربانيةٌ ومنحةٌ إلهيةٌ امتنَّ اللهُ جلَّ وعلا بها على الصحابةِ الأخيارِ الأطهارِ فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلم أيُّهَا النَّاسُ: أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِخْوَةٌ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟فقالوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ.فالأخوة نعمة يقذفها الله في قلوب عباده الأصفياء وأوليائه الأتقياء،فالأخوة الموصولة بحبل الله، نعمة امتن بها ربنا جل وعلا على المسلمين الأوائل،قال رب العالمين {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَتَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُاللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ال عمران 103 ,لذا جمعَ اللهُ بينَ الإيمانِ والأخوةِ، فقالَ ربُّنَا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فالمؤمنونَ جميعًا كأنَّهم روحٌ واحدٌ، وصدقَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه و سلم : ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى “(متفق عليه)
ومِن أعظمِ الدروسِ المستفادةِ مِن خطبةِ الوداعِ: أنَّ ربا الجاهليةِ موضوعٌ أي حرامٌ وهو زيادةُ الدينِ في نظيرِ الأجلِ، وهو الذي كانوا يتعاملون بهِ، فكان الرجلُ إذا أقرضَ آخرِ على أجلٍ محددٍ ، فإذا جاءَ الأجلُ ولم يستطعْ المدينُ الأداءَ قال المدينُ للدائنِ أخرنِي وأزيدُكَ أي أخرَ المدةِ وأزيدُكَ في الأقساطِ فحرَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم الربَا بجميعِ أنواعهِ وأشكالهِ فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلم (وربَا الجاهليةِ موضوعٌ ، وأولُ ربًا أضعُ من رِبَانَا ربَا العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ ، فإنَّهُ موضوعٌ كلُّه(
الربا وما أدراكَ ما الربا ؟ وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انتشرَ فيه أكلُ الربا بصورةٍ مخزيةٍ ، يملأُ الرجلُ بطنَهُ مِن الربا، بل ربَّمَا ربَّى الرجلُ أولادَهُ على الربا ، ولا يفكرُ في الموتِ وشدتهِ، ولا في القبرِ وضمتهِ، ولا في الحسابِ ودقتهِ، ولا في الصراطِ وحدتهِ، ولا في النارِ ولا في الأهوالِ والأغلالِ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ.
بل ربُّمَا دفعتْ المرأةُ زوجَهَا إلى أكلِ الربَا تكلفهُ بما لا يطيقُ فيضطر الرجلُ إلى أكلِ الربا وأخذِ القروضِ الربويةِ ولا حول ولا قوة إلا بالله. ورحمَ اللهُ النساءَ المؤمناتِ الأوائلَ كانتْ المرأةُ تقفُ لزوجِهَا على عتبةِ البابِ وتقولُ لهُ يا فلان اتقِ اللهَ فينَا ولا تطعمُنَا مِن حرامٍ فإننَا نصبرُ على الجوعِ ولا نصبرُ على النارِ. فمِن الناسِ الآنِ مَن يأكلُ ويشربُ وينتسبُ إلى الإسلامِ وهو لا يدري أمطعمُهُ مِن حلالٍ أم مِن حرامٍ؟ وهو لا يدري أتجارتُهُ مِن الحلالِ أم مِن الحرامِ؟ هؤلاء كالإنعامِ بل هم أضلُّ كما قالَ ربُّنَا ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) [سورة الأعراف آية رقم (179) هؤلاء كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ؟ لماذا أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لماذا ؟ لأنَّ لهم أعينًا لكنهم لا ينظرون بها إلَّا إلى الحرامِ، لهم أذنٌ لكنهم لا يستمعونَ بها إلا الحرام، لهم قلوبٌ لكنها امتلأتْ بالحقدِ والبغضاءِ والحسدِ والكراهيةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ. فالربا داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ووباءٌ خلقيٌّ كبيرٌ ما فشَي في أمةٍ إلَّا كان نذيرًا لهلاكِهَا ,وما دبَّ في أسرةٍ إلَّا كان سببًا لفنائِهَا, فالربا مصدرُ كلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍّ وتعاسةٍ .و واللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو ما أعلمُ داءً قد فشَي في الأمةِ ودخلَ في كلِّ بيتٍ مِن بيوتِ المسلمين إلّا ما رحمَ اللهُ كداءِ الربَا ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
فالربا مرضٌ سرطانيٌّ خطيرٌ مدمرٌ قَلَّمَا يعافَي منه إنسانٌ إلّا ما رحمَ اللهُ ولما لا؟ والنبيُّ قال كما في المستدركِ من حديثِ أبي هريرةَ أنّ رسولَ اللهِ قال : « ليأتينَّ على الناسِ زمانٌ، لا يبقى فيه أحدٌ إلّا أكلَ الربا ، فإنْ لم يأكلْهُ أصابَهُ مِن غبارِهِ) رواه الحاكم
بل الربا هو الداءُ الوحيدُ الذي أعلنَ اللهُ عليه الحربَ مِن فوقِ سبعِ سماوات { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)) [سورة البقرة آية (278) (279)إنَّها الحربُ المعلنةُ بكلِّ صورِهَا النفسيةِ والجسديةِ .وواللهِ ما الناسُ فيهِ الآنَ مِن ضنكٍ وشقاءٍ و قلقٍ واكتئابٍ وغمٍّ وحزنٍ وهمٍّ إلّا مِن نتاجِ هذه الحربِ المعلنةِ لكلِّ مَن خالفَ أمرَ اللهِ , وأكلَ الربا أو ساعدَ عليها ، فليعدَّ سلاحَهُ إنْ استطاعَ لذا روي عن ابنِ عباسٍ قال: يقالُ يوم القيامةِ لآكلِ الربا: خذ سلاحًكَ للحربِ. وقرأَ: { لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } قال: وذلك حين يقومُ من قبرهِ. إنّها حربٌ على البركةِ والرخاءِ، حربٌ على الطمأنينةِ والسكينةِ، حربٌ على القلقِ والخوفِ …عافانا اللهُ وإياكُم مِن الربا
ومِن أعظمِ الدروسِ المستفادةِ مِن خطبةِ الوداعِ: أنَّ النجاةَ في الدنيا والآخرةِ والسعادةَ الأبديةَ والفلاحَ والفوزً بالجنانِ في التمسكِ بالكتابِ والسنةِ هكذا أعلنَهَا نبيُّ الإسلامِ صلَّى اللهُ عليه وسلم مدويةً في خطبةِ الوداعِ عندما قال وإنِّي قد تركتُ فيكم ما لن تضلُّوا بعدَهُ إنْ اعتصمتُم بهِ، كتابَ اللهِ، وأنتم مسؤولونَ عنِّي ، فما أنتم قائلونَ ؟ قالوا نشهدُ أنَّكَ قد بلَّغْتَ وأدَّيْتَ ونصحتَ ، فقال : اللهمَّ اشهَدْ) وروى الحاكمُ في مسندهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: ( … إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فلقد وضعَ اللهُ للبشريةِ منهجًا يضمنُ لها السعادةَ في الدنيا والآخرةِ. فمَن اتبعَ منهجَ اللهِ سعدَ في دنياهُ وسعدَ في أخراهُ، ومَن أعرضَ عن منهجِ اللهِ وعصَى مولاهُ شقىَ في دنياه، وهلكَ في أخراه.فاللهَ اللهَ في التمسكِ بالقرآنِ والسنةِ، والفلاحَ الفلاحَ في القرآنِ والسنةِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: تعظيمُ شأنِ الدماءِ وجرمُ إراقتِهَا بغيرِ حقٍّ.
أيُّها السادةُ: انتشرَ القتلُ بصورةٍ مفزعةٍ ومخيفةٍ على مرأىَ ومسمعٍ للجميعِ، وكثرَ الهرجُ أي القتلُ كما أخبرَ المعصومُ صلَّى اللهُ عليه وسلم ورأينَا جميعًا بأعينِنَا ما حادثَ لطالبةِ المنصورةِ التي نُحرتْ في وضحِ النهارِ، أمرٌ غريبٌ أمرٌ عجيبٌ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
لذا وقفَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم بعرفاتٍ وهو ينادِي في الناسِ وهو يودعُ الصحابةَ بل إنْ شئتَ فقلْ وهو يودعُ الأمةَ الإسلاميةَ جمعاء أيُّها الناسُ( إِن َّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأعْراضَكُم عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ) (متفق عليه),إذا فدمُ المسلمِ وعرضُهُ ومالُهُ حرامٌ، لا يجوزُ أنْ يُعتدي عليه بغيرِ حقٍّ، لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) رواه مسلم حياةُ الإنسانِ مقدسةٌ … لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يعتديَ عليها, والإنسانُ بنيانُ الربِّ ملعونٌ مَن هدمَهُ، بل لو تتبعتَ المعاصي كلَّهَا لم تجدْ معصيةً فيها فسادٌ يساوي فسادَ الشركِ والقتلِ أبدًا يارب سلم !! لذا قال صلَّى اللهُ عليه وسلم((كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) رواه أبو داود وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:”لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَأَهْلُ الأَرْضِ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ لَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ”بل جاء في صحيحِ البخاري عنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا))فحرمةُ الدمِ مصانةٌ في الدينِ. كما أنَّه ليس للمسلمِ أنْ يقتلَ نفسَهُ ويقولُ: أنا حرٌّ في بدنِي أفعلُ بهِ ما أشاءُ، نفسُكَ وديعةٌ وأمانةٌ استودعَكَ اللهُ إياهَا فلا يجوزُ لكَ أنْ تفرطَ فيها قالَ تعالى (وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا).قال ربُّنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } سورة البقرة آية رقم(195) وفي الصحيحين منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)
وصدقَ المصطفَي صلَّى اللهُ عليه وسلم إذ يقولُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ) فالانتحارُ جريمةٌ بشعةٌ في حقِّ النفسِ وحقِّ المجتمعِ، والانتحارُ ليس علاجًا للمشكلاتِ ولا حلًّا للمعضلاتِ ولا دواءً لما حلَّ بنَا من النكباتِ بل دليلٌ على ضعفِ الإيمانِ وعدمِ الثقةِ في اللهِ الواحدِ الديانٍ، ودليلٌ على ضعفِ الوازعِ الدينِي .
وجريمةُ الانتحارِ شؤمٌ على صاحبِهِا يومَ القيامةِ، ومن ذلك: – أنَّ الانتحارَ علامةٌ على سوءِ الخاتمةِ -والعياذُ باللهِ-: فإنَّه مَن ماتَ على شيءٍ بُعثَ عليه يومَ القيامةِ، فعن جابرٍ قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم-: “مَن ماتَ على شيءٍ بعثَهُ اللهّ عليه”(أحمد)
وإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ ***والنَفسُ داعيَةٌ إلى الطُغيانِ
فاِستَحيِ مِن نَظَرِ الإِلَهِ وقل لها*** إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……………………وبعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة
رابعًا وأخيرًا: وقفةٌ سريعةٌ مع يومِ عرفةَ.
أيُّها السادةُ: يومُ عرفةً وما أدراكَ ما يومُ عرفةَ ؟ إنَّهُ اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ، وأتمَّ بهِ علينَا النعمةَ، ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا))المائدة:3وهو اليومُ المشهودُ.قال ربُّنَا ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج: 3.قال أبو هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ…”؛ رواه الترمذي ,ويومُ عرفةَ هو الوترُ الذي أقسمَ اللهُ بهِ في قولهِ: ﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر ﴾ [الفجر: 3]، قال ابنُ عباسٍ: “الشفعُ يومُ الأضحَى، والوترُ يومُ عرفة)ويومُ عرفةَ يومُ مغفرةِ الذنوبِ، ويومُ العتقِ مِن النيرانِ، قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم : (ما من يومٍ أكثرُ مِن أنْ يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ) رواه مسلم. ويقبلُ اللهُ فيه الدعواتِ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم: (خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة) ويباهِي بأهلِ عرفةَ ملائكتَهُ كما قال نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يُباهي بأهلِ عرفاتٍ أهلَ السماءِ اشهَدُوا ملائكتِي أنِّي قد غفرتُ لهم) رواه أحمدُ، فاللهَ اللهَ في اغتنامِ النفحاتِ بالصيامِ والتقربِ إلي اللهِ، اللهَ اللهَ في التوبةِ والرجوعِ إلى اللهِ، البدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ بفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ. وقلْ لنفسِكَ
يا مَن بدنياهُ اشتغلْ … وغرَّهُ طولُ الأمل
ولم يزل في غفلةٍ … حتى دنَا منه الأجل
الموتُ يأتي بغتةً … والقبرُ صندوقُ العمل
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف